
تدبر القرآن هو طريق الهداية، وروح القلب، ونور البصيرة، والله تعالى تعبَّد الناسَ بتدبُّر القرآن، كما تعبَّدَهم بالتِّلاوة، فكيف يكون التدبر؟!
إليك بعض الوسائل العملية للتدبُّر، منها:
استحضار أن الله يخاطبك:
حين تقرأ القرآن، تذكّر أن الله يكلمك أنت. فافتح قلبك لكلماته، وتأمل كيف يُرشدك.
القراءة المتأنّية والترتيل:
بأن يتلو القارئ الآية ببطء واتقان وتجويد، متأمِّلاً عظمتها، ويحرص على قراءة الآية بخشوع، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ.» وَزَادَ غَيْرُهُ: يَجْهَرُ بِهِ.. [صحيح البخاري (7527)]
قال الإمام ابن كثير: «المطلوب شرعا، إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تَدَبُّرِ القرآن وتفهمه، والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة.». [فضائل القرآن (ص195)]
وقال القرطبي في قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: 29]: " ليدبروا" أي ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال. وفي هذا دليل على، وجوب معرفة معاني القرآن، ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ، إذ لا يصح التدبر مع الهذ. [تفسير القرطبي (15/ 192)]
فهم معاني الكلمات:
إن الله تعالى يَسَّرَ للناس معاني القرآن كما يَسَرَّ لهم ألفاظه؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17].
والجهل بمعاني القرآن يصرف عن تدبُّره وتلذُّذ القلب بقراءته و«كان أبو جعفر رضي الله عنه يقول: "إِنّي لأعجبُ مَمنْ قرأ القرآن ولم يعلَم تأويلَه، كيف يلتذُّ بقراءته؟». [تفسير الطبري (1/ 10)]
وقال شيخ الإسلام: «دخل في معنى قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) تعليم حروفه ومعانيه جميعا؛ بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه وذلك هو الذي يزيد الإيمان». [مجموع الفتاوى (13/ 403)]
وينبغي التفكير في الكلمات والسياق والتوقف عند كل آية والتأمّل في كلماتها ومعانيها، واستحضار ما قبلها وبعدها من سياق الكلام. فقد ذكر أهل العلم أن من أهمّ طرق التدبُّر الوقوف المتأنّي أمام الآية وربطها بالسياق العام للسورة.
🔹 تكرار الآيات المؤثرة:
إذا استوقفتك آية، فأعد قراءتها، وكررها حتى تُلامس قلبك. قال بدر الدين الزركشي: «قال بشر بن السري إنما الآية مثل التمرة كلما مضغتها استخرجت حلاوتها». [البرهان في علوم القرآن (1/ 471)]
عن عروة بن الزيير قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر (يعني أمه) وهي تصلي، فقرأت هذه الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] فقمت، فلما طال علي ذهبت إلى السوق، ثم رجعت، وهي مكانها، وهي تكرر الصلاة (يعني الآية).
قَرَأَتْها عَائِشَة رضي الله عنها فِي الصَّلَاةِ فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتِ: «اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيَّ وَقِنِي عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّكَ أَنْتَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ»
وقام تميم الداري بآية (مبكاة العابدين) يكررها حتى أصبح أو كاد، وهي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].
🔹 قراءة اللَّيل:
فصلاة الليل والتَّأمُّل في الآيات، يعين على فهم القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ [المزمل: 6]. «فالمعنى: أن صلاة الليل أعون على تذكر القرآن والسلامة من نسيان بعض الآيات، وأعون على المزيد من التدبر.». [تفسير ابن عاشور (29/ 263)]
ولأجل ذلك كان جبريل عليه السلام يدارس النَّبيَّ ﷺ القرآن كلَّ ليلة من رمضان، قال ابن حجر رحمه الله: «المقصود من التلاوة الحضور والفهم؛ لأن الليل مظنة ذلك؛ لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية». [فتح الباري (9/ 45)]
الإنصات عند سماع القرآن:
أمَرَ الله تعالى عبادَه المؤمنين بالاستماع والإنصات عند قراءة القرآن؛ كي ينتفعوا به، ويتدبَّروا ما فيه من الحِكَم والمصالح، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].
قال الطبري: يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه (وأنصتوا)، إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه (لعلكم ترحمون)، يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه». [تفسير الطبري (13/ 345)]
🔹 ربط الآيات بالواقع:
اسأل نفسك: كيف أعمل بهذه الآية؟ ما الرسالة التي توجهها لي؟ كيف أُصلح بها حياتي؟
🔹 المداومة والمواظبة:
أهمّ عامل في التدبُّر هو الاستمرار في مصاحبة القرآن بالتلاوة المنتظمة في الصلاة وخارجها، وكذلك حضور الدروس وطلب العلم، فلا يغفل القلب عن القرآن.
🔹 الاستعانة بالترجمة والتفسير الموثوق:
خاصة عند صعوبة الألفاظ أو الفهم، فقراءة ترجمة الآية أو تفسير موثوق تساعد على استيعاب المعنى بدقّة.
🔹 التدوين والمناقشة:
يمكن كتابة ملاحظات يوميّة عن استنتاجات القارئ واستخراج العِبَر من الآيات. كما يُستحبّ النقاش مع الإخوة والدعاة حول ما تيسّر من الآيات، فالنقاش يُعمّق الفهم ويُثري التدبُّر.
انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.
وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.